الأحد، 23 يوليو 2017

عن المطلق والحقيقة المحمدية: الواحدية

من أكبر كبائر التصوف الفلسفي (أن الله تعالى لا يتجلى إلا في ذات من ذوات خلقه )، ولهذا يومن الكثير من المتصوفة بعقائد التصوفات الوضعية والكافرة ، بل ولقد رأوا بأن المجلى الذاتي لا يكون إلا بالواحدية لا الأحدية كما يدعي كل المومنين بنظرية الفيض الفلسفية الباطلة الفانون في المطلق ، بينما الله سبحانه وتعالى فوق المطلق وفوق كل الآزال والآباد ، 
وما صلته الذاتية بالخلق إلا بقوله تعالى : الرحمان على العرش استوى..
والعرش أعظم مخلوق .
وهو التجلي الأول برحمانيته على كل خلقه ، وقد أمرنا أن لا نتفكر في ذاته سبحانه لأنه لا طاقة لنا على إدراكها : تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته..
بينما تجرأ العديد من فلاسفة التصوف على هذا حتى إدعوا لمحمد صلوات الله عليه ما إدعته النصارى لعيسى عليه السلام ، رغم قوله صلوات الله عليه : لا تثروني كما أثرت النصارى عيسى إبن مريم.
فقالوا بالفرق بين الأحد والواحد وبأن الله لا يتجلى إلا بالواحدية في خلقه، وبذلك أبطلوا عليه سبحانه صفة وإسم الواحد في ذاته..
بينما إيماننا بكل أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى يقر بأنه يتجلى بأحديته وبواحديته معا لا بالحقيقة المحمدية التي ترمزلمقام فلسفي فقط عن مقام محمد صلوات الله عليه ، فجمعوا بين صفات لا تليق إلا بالله تعالى ، وصفات عليا ربما كانت حقا من صفات محمد عليه السلام.
فكل الصفات المشيرة للواحدية الإلهية في هاته الحقيقة المحمدية هي لله وحده سبحانه وتعالى عما يفكون ، وكل الصفات الإنسانية العلية في هاته الحقيقة المحمدية هي لمحمد عليه السلام كأول العابدين عليه الصلاة والسلام لا كواحد موازي وفائض عن الله. 
فقالوا بأن هاته الواحدية لا تتجلى إلا بمقام وحقيقة محمد صلوات الله عليه، حتى أله البعض محمدا تأليه النصارى لعيسى عليه السلام:

 فقالوا بأن الحقيقة المحمدية أو لتقل الواحدية هي تجلي الصفات والذات في مقامها الأول ، وليس حالا ولا مقاما فقط، بل ذاتا وروحا : 
الأمر الذي يناقض التوحيد الخالص الذي لا يفصل بين الأحدية والواحدية ، وبين توحيدنا لله ذاتا وصفاتا وأسماء ، وتشبيهنا له شركا والعياذ بالله.. 
فالله أحد وواحد ولا يتجلى ذاتا إلا بذاته ... 
ومهما غلب على الولي حال حبه..يبقى الله واحدا أحدا لا شريك له لا في ألوهيته ولا في ربوبيته ولا في ذاته ولا في صفاته وأسمائه.. ومهما تماثلت بيننا بعض الصفات فهي في ذات الله تعالى سبوحة عنها في الخلق.
ويبقى الله ربا وحده ولا شريك ، والعبد عبد دون شرك.
فالفناء الحق فناء محبة لا فناء ذات ...
وكل هذا كان لأن العديد من الفلاسفة حصروا ذات الله في المطلق بينما هو سبحانه وتعالى فوق كل مطلق ، ولا تحصره أية مقامات ..

بل وفوق كل الآزال وكل الآباد وكل المطلقات لأنه خالقها وموجدها.. 
فعال لكل ما يريد سبحانه ، وعلى كل شيء قدير : وفعال لما يريد سبحانه : نثبت كل ما أثبته لنفسه قرآنا وسنة ، وننفي كل ما يفصل أحديته عن واحديته سبحانه عما يفكون.
فلا ذات لله إلا ذاته العلية بكل قدوسية وبكل تسبيح سبحانه .. 
ولا شريك ، مهما تجلت في المخلوقات صفاته بنسبية العبدية لا الألوهية...
بل ولا يشفع لكل من إدعى واحدية الحقيقة المحمدية سوى غرقه في إسم الله إسما دون الذات العلية والمتعالية أزلا وأبدا في أحديتها الواحدية ، ..

فمهما تصورت ببالك الله بخلاف ذلك..
وإليكم موجزا عن هاته الحقيقة المناقضة لتوحيد الألوهية والربوبية والذات والأسماء والصفات سبحان الله أن يكون ظهوره مفتقرا لها أو لغيرها : 

الحقيقة المحمدية عند بعض العارفين

قول الشّريف الجرجاني في كتاب " التعريفات " :
( الحقيقة المحمّدية  ) : هي الذّات مع التعيّن الأول ، وهو الاسم الأعظم ." اهـ  
وقال أيضاً في تعريف "الرّوح الأعظم " : الذي هو الرّوح الإنسانيّ ، مظهر الذّاتالإلهيّة من حيث ربوبيتها، ولذلك لا يمكن أن يحوم حولها حائم، ولا يروم وصلها رائم،ولا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ولا ينال هذه البغية سواه، وهو العقل الأول، والحقيقة المحمّديّة، والنّفس الواحدة، والحقيقة الأسمائيّة، وهو أول موجود خلقه الله على صورته، وهو الخليفة الأكبر، وهو الجوهر النّورانيّ، جوهريته مظهر الذّات، ونورانيته مظهر علمها.  اهـ
وقال الشيخ إبن عربي قدس الله سرّه في " الفتوحات المكيّة " :
( الحقيقة المحمّدية  ): هي المفعول الإبداعي عندنا ، والعقل الأول عند غيرنا ، وهيالقلم الأعلى الذي أبدعه الله تعالى من غير شيء .
( الحقيقة المحمّدية  )هي القلم الإلهي الكاتب العلّام في الرّسلات ، وهي العقل الأول الفياض في الحكميات والأنباء ، والحق المخلوق به ، والعدل عند أهل اللّطائف والإشارات ، وهي الرّوح القدسيّ الكل ، عند أهل الكشوف والتّلويحات .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الوجود كله ، وإنّ النّـزول منها إليها وبها عليها ، وإنّ الحقيقة المحمّدية لها في كل شيء وجهان : وجه محمّدي ، ووجه أحمدي  ».
(الحقيقة المحمّدية ): هي قطب الأقطاب ، لأنّه القطب الذي تدور عليه حقائق الأقطاب كلّها ، من حيث أنّه مصدر كل شيء ، ومنبع كلّ علم ، وهو المفيض ، والممد لكل الأقطاب » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي المسماة بالعقل الأول ، وبالقلم الذي علم الله تعالى به الخلق كلّهم ، وبالحق الذي قامت السماوات والأرض ، وبالباء من حيث ظهور الأشياء عنها ، وأحسن هذه الأسماء هو : " الحقيقة المحمدية " ».
(الحقيقة المحمّدية ):هي المقصودة ، وإليه توجهت العناية الكلّية فهو عين الجمع الموجود ، والنسخة العظمى ، والمختصر الأشرف الأكمل في مبانيه ».
(الحقيقة المحمّدية ): هي صورة لاسم " الله " الجامع لجميع الأسماء الإلهية ، الذي منه الفيض على جميعها ، فهو تعالى ربه . فالحقيقة المحمدية التي تربّي ، تجمع صورة العالم كلها بالرب الظاهر فيها ، الذي هو ربّ الأرباب .
فبظاهرها تربّي ظاهر العالم ، وبباطنها ترب باطن العالم ، لأنه صاحب الاسم الأعظم ـأي المختص به ـ وله الربوبية المطلقة { الجمع المطلق } وهذه الربوبية إنّما له من جهة مرتبته ، لا من جهة بشريته فإنه من هذه الجهة عبدٌ مربوب : محتاجٌ إلى ربّه سبحانه وتعالى  .
وقال الشيخ محمود الآلوسي في تفسيره " روح المعاني ":
( الحقيقة المحمّدية  ): هي التّعين الأول المشار إليه بباء الجر ، لأنّها الواسطة في الإضافة والإفاضة ، فناسبها الكسر وخفض الجناح ، ليتم الأمر ويظهر السر .. واكتفىبالرمز لعدم ظهور الآثار بعد ، وأول الغيث قطر ثمّ ينهمر ، وما من سورة إلا افتتحهاالرّب بالرّمز إلى حاله صلى الله عليه وسلّم تعظيماً له وبشارة لمن ألقى السّمع وهوشهيد.
ولمّا كان الجلال في سورة براءة ظاهراً ، ترك الإشارة بالبسملة ، وأتى بباء مفتوحة ،لتغير الحال وإرخاء الستر على عرائس الجمال ، ولم يترك سبحانه وتعالى الرّمز بالكلّيةإلى ( الحقيقة المحمّدية) ولا يسعنا الإفصاح بأكثر من هذا ، في هذا الباب ، خوفاً من قال أرباب الحجاب ، وخلفه سرّ جليل ، والله تعالى الهادي إلى سواء السّبيل." اهـ
( الحقيقة المحمّدية  ): هي حقيقة الحقائق ، التي لا يقف على كنهها أحد من الخلائق ، وإنّها التّعيّن الأول ، وخازن السّر المقفل ، وإنّها .. وإنّها.. إلى أمور هيهات أن يكون للعقل إليها منتهى.
ويقول الأمير عبد القادر الجزائري قدس الله سرّه :
( الحقيقة المحمّدية  ):هي الصّورة الرحمانيّة ، الواجبة ، الممكنة ، القديمة ، الحادثة ، الفاعلة ، المنفعلة ، وهي حقيقة الحقائق الكلّيّة » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي حجاب العزّة ، وهي التّعيين الأول ، المسمى بالعماء ، والرّوح الكل ، والإنسان الكامل ، والثوب ، والرّداء ، وغير ذلك من الأسماء الكثيرة ، تعددت أسماؤه لتعدد وجوهه واعتباراته » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الذّات مع التـّعين الأول ، الذي ما اطلع عليه نبي مرسل ولا مـلك مقرب ؛ وقد ورد : ( لا يعلم حقيقتي غير ربي )  ».
( الحقيقة المحمّدية  ): برزخ البرازخ كلّها وجمعها » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي الظّل الأول المجمل ، وهي الوجود الإضافي المسمى "بنَفَس الرّحمن " ، والتّعيّن الأوّل ، والوحدة المطلقة .
(الحقيقة المحمّدية ):  هي القمر : الذي هو كناية عن المرتبة الثّانية [ بعد مرتبة الأحديّة ] ، والتّعيّن الأوّل  المسمى : بالرّوح الكلّيّ ، وبنَفَس الرّحمن ، وبالوجود الإضافي ، وبالوحدة المطلقة... وله أسماء كثيرة » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي عين الأشياء كلّها من حيث الماهيّة ، وهي غيرها من حيث الصّورة ، وذلك أنّ الحق سبحانه أفاض على أعيان المكونات نور الحقيقة المحمّديّة ، فظهرت بفيضها جميع المحسوسات » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي غاية مايصل إليه الكمّل ، وجميع ما تسمعه من تغزّلاتهم إنّما هو فيها ، فيسمونها بليلى وسلمى .. والرّاح والخمرة .. وغير ذلك » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الحق المخلوق به ، وهي الملك المسمّى بالرّوح ، ومن أسمائه : أمر الله ، وهو أشرف الموجودات ، وأعلاها مكانة ، وأسماها منـزلة .. » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي روح الأرواح ، وهي ( البشير النّذير ) الموجودة بجزئياتها في كل نبيّ ووليّ : بالعين والشّهود ، وفيما عدا هذين الوصفين : بالحكم والوجود  .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي أول مخلوق ، وكانت النسخة الإلهية ، صورة ومعنى » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي عبارة عن التّعيّن الأوّل ، وهو الوحدة » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي فـلك الولاية ، المعبّر عنها بقاب قوسين أو أدنى ، وبالعلم المطلق ، وبالشـأن الصّرف ، وبالعشق المجرد عن نسبة العاشق والمعشوق » .

ويقول الشيخ الفرغاني قدس الله سرّه  :
( الحقيقة المحمّدية  ): حقيقة الرّوح الأعظم وصورته ، صورة الحقيقة التي ظهر فيها بجميع أسمائها وصفاتها ، وسائر الأنبياء مظاهرها ، ببعض الأسماء والصفات تجلت في كل مظهر بصفة من صفاتها واسم من أسمائها ، إلى أن تجلت في المظهر المحمدي ، بذاتها وجميع صفاتها ، وختم به النبوة ، فكان صلى الله عليه وسلّم سابقا على جميع الأنبياء من حيث الحقيقة ، متأخرا عنهم من حيث الصورة »

( الحقيقة المحمّدية  ): هي النّور المحمّدي الذي انبثق منه الكون ، وتجلى في آدم والأنبياء والرّسل ، وهو ( الإنسان الكامل ) ، والإنسان الكامل هو القطب » .

( الحقيقة المحمّدية  ): هي الذّات مع التّعين الأوّل ، فله الأسماء الحسنى كلّها ، وهو الإسم الأعظم »  .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي الحقيقة المسماة بحقيقة الحقائق الشّاملة لها ، أي : للحقائق والسّارية بكليتها في كلّها ، سريان الكلّي في جزئياته ... وإنما كانت الحقيقة المحمّدية ، هي صورة لحقيقة الحقائق ، لأجل ثبوت الحقيقة المحمّدية ، في صفة الوسطيّة والبرزخية والعدالة ، بحيث لم يغلب عليه حكم اسمه أو وصفه أصلاً ، فكانت هذه البرزخية الوسيطة : هي عين النّور الأحمدي المشار إليه بـ  ( أول ما خلق الله نوري ) » .
( الحقيقة المحمّدية ): هي مظهر غاية الحضرات وانتهاء النّهايات ، من كونها  مظهر الأحدية ، وهي أنهى النّهايات وغاية الغايات ، إذ ليس فوقها إلا الغيب المطلق » .
(الحقيقة المحمّدية ): هي غاية الغايات ، ويقال : نهاية النهايات ، ويعنى بذلك : باطن العوالم ، وهو مقام أو أدنى » .
(الحقيقة المحمّدية ): التي هي منصة التّعين الأول ، ومرآة الحق والحقيقة ».

( الحقيقة المحمّدية  ): هي الوحدة الحقيقية ، وقيل : الرّوح الأعظم ، وقيل : صورة الاسم الجامع الإلهي » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي أنّه  صلى الله عليه وسلّم هو مظهر الذّات ، وأنّ الظّاهر في حقيقته ليس إلا النّور الذّاتي ، لأنّ رتبته قبل رتبة الأسماء والصّفات ، إذ حقيقته برزخ مابين الأحدية والواحدية .
 والصّفات إنّما هي في الواحدية ، فالصّفات الإلهيّة كما هي حجب ذاته تعالى ، حجب الحقيقة المحمّدية أيضاً ، فالكشف عنها كالكشف عن أحدية الذّات ، المبطل للخصوصيات »  .    
( الحقيقة المحمّدية  ): هي التّعين الإمكاني النّوري » .
( الحقيقة المحمّدية  ): هي التّعين الأوّل الذي هو حضرة الإجمال ، والمسمى بالوحدة » .
( الحقيقة المحمّدية  ):  هي جامعة لجميع الحقائق ، ويقال لها : حقيقة الحقائق ، وحقائق الآخرين كالأجزاء لها » .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق