الأحد، 23 يوليو 2017

إشكالية الفناء محبة وإشكالية الإتحاد والحلول:

حينما ينطبق حديث الولاية على أي ولي قدس الله سره : 
(...... كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ....) 
يحس وكأن الله قد حل بذاته ما دام فانيا عن كل ذاته فإذا مر إلى مقام البقاء تأكد بأن هذا الحلول شعوري فقط لا ذاتي وبأنه فقط حال للأولياء لا مقاما :
إذن فالحلول عند صادقي الأولياء حال شعوري فقط :

لكن هناك من فنى في عينه الثابتة في علم الله تعالى بمعنى كمال ناسوته، فتأله مجذوبا وفانيا عن وجوده المجازي نحو وجوده الحق إن كان حقا على حق: 
كالحلاج مثلا الذي إفترق العارفون والعلماء حول حقيقته..
فالفناء إذن في حقيقته فناء محبة لا فناء في ذات الله العلية سبحانه وتعالى عن كل مشاعرنا سبحانه..
وإليكم نبذة مختصرة عن هذا الحال الذي يجمع الإتحاد ووحدة الوجود معا :
وكلها أحوال معنوية فقط لا مقامات ذاتية ، والتي لا يفهمها إلا من جردها كلها عن الشكل والمادة والذوات بل وحتى عن لطائف روحه:

تعريف:
" الحلول " و " الاتحاد " - و يدخل فيه مصطلح " وحدة الوجود " - :
هاتان اللفظتان تردان كثيراً في كتب العقائد ، وهما من المصطلحات الصوفية ، والباطنية ، كما أنهما تردان في كتب الأديان الباطلة ، كالبرهمية ، والبوذية ، وغيرهما .
1. " الحلول " :
أ. معناه في الاصطلاح العام : أن يحل أحد الشيئين في الآخر .
وهو " حلول سَرَياني " ، و " حلول جواري " .
يقول الجرجاني رحمه الله :
الحلول السرَياني : عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر ، كحلول ماء الورد في الورد ، فيُسمَّى الساري حالاًّ ، والمسري فيه محلاًّ .
الحلول الجواري : عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر ، كحلول الماء في الكوز .
" التعريفات " ( ص 92 ) .
هذا هو الحلول : إثبات لوجودين ، وحلول أحدهما في الآخر .
ويراد منه باصطلاح القائلين به من الصوفية وغيرهم : حلول الله - عز وجل - في مخلوقاته ، أو بعض مخلوقاته .
ب. " أقسام الحلول " :
ينقسم الحلول إلى قسمين :
1. حلول عام : هو اعتقاد أن الله تعالى قد حلَّ في كل شيء .
ولكن ذلك الحلول من قبيل حلول اللاهوت - أي : الإله الخالق - بالناسوت - أي : المخلوق - مع وجود التباين ، بمعنى : أنه ليس متحدّاً بمن حلَّ فيه ، بل هو في كل مكان مع الانفصال ، فهو إثبات لوجودين .
وهذا قول الجهمية ومن شاكلهم .
2. حلول خاص : وهو اعتقاد أن الله - جل وعلا - قد حلَّ في بعض مخلوقاته .
مع اعتقاد وجود خالق ومخلوق .
وذلك كاعتقاد بعض فرق النصارى : أن اللاهوت - الله جل وعلا - حلَّ بالناسوت – عيسى عليه السلام - ، وأن عيسى عليه السلام كانت له طبيعتان : لاهوتية لما كان يتكلم بالوحي ، وناسوتية عندما صلب .
وكذلك اعتقاد بعض غلاة الرافضة - كالنصيرية - أن الله - عز وجل - حلَّ في علي بن أبي طالب ، وأنه هو الإله ؛ حيث حلت فيه الألوهية ، وذلك من عقائدهم الأساسية .
2. " الاتحاد " :
أ. معناه : كون الشيئين شيئاً واحداً .
قال الجرجاني رحمه الله :
الاتحاد : امتزاج الشيئين ، واختلاطهما حتى يصيرا شيئاً واحداً .
" التعريفات " ( ص 9 ) .
ب. ومعناه باصطلاح القائلين به : اتحاد الله - عز وجل – بمخلوقاته ، أو ببعض مخلوقاته .
أي : اعتقاد أن وجود الكائنات أو بعضها هو عين وجود الله تعالى .
ج. " أقسام الاتحاد " :
" الاتحاد " ينقسم إلى قسمين :
1. الاتحاد العام - وهو ما يطلق عليه أيضاً : " وحدة الوجود " - : وهو اعتقاد كون الوجود هو عين الله عز وجل .
بمعنى : أن الخالق متحد بالمخلوقات جميعها ، وهذا هو معنى " وحدة الوجود " ، والقائلون به يسمون " الاتحادية " ، أو " أهل وحدة الوجود " ، كابن الفارض ، وابن عربي ، وغيرهما .
2. الاتحاد الخاص : هو اعتقاد أن الله عز وجل اتحد ببعض المخلوقات دون بعض .
فالقائلون بذلك نزهوه من الاتحاد بالأشياء القذرة القبيحة ، فقالوا : إنه اتحد بالأنبياء ، أو الصالحين ، أو الفلاسفة ، أو غيرهم ، فصاروا هم عين وجود الله جل وعلا .
كقول بعض فرق النصارى : إن اللاهوت اتحد بالناسوت ، فصارا شيئاً واحداً ، وهذا بخلاف القائلين بالحلول ، فهم يرون أن له طبيعتين : لاهوتيةً وناسوتيةً .
فالاتحادية قالوا بواحد ، والحلولية قالوا باثنين .
د. " الفرق بين الحلول والاتحاد " :
الفرق بينهما يتلخص فيما يلي :
1. أن الحلول إثبات لوجودين ، بخلاف الاتحاد فهو إثبات لوجود واحد .
2. أن الحلول يقبل الانفصال ، أما الاتحاد فلا يقبل الانفصال .
هـ. " أمثلة يتبين بها الفرق بين الحلول والاتحاد " :
هناك أمثلة كثيرة منها :
أ. السُّكَّر إذا وضعته في الماء دون تحريك : فهو حلول ؛ لأنه ثَمَّ ذاتان ، أما إذا حركته فذاب في الماء : صار اتحاداً ؛ لأنه لا يقبل أن ينفصل مرة أخرى .
أما لو وضعت شيئاً آخر في الماء كأن تضع حصاة : فهذا يسمَّى حلولاً ، لا اتحاداً ؛ لأن الحصاة شيء ، والماء شيء آخر ، وهما قابلان للانفصال .
و. " حكم هذه الاعتقادات وأيهما أشد " :
لا ريب أن القول بالحلول أو الاتحاد هو من أعظم الكفر والإلحاد - عياذاً بالله - .
ولكن الاتحاد أشد من الحلول ؛ لأنه اعتقاد ذات واحدة ، بخلاف الحلول ، ثم إن القول بأنه اتحد في كل شيء أعظم من القول بأنه اتحد في بعض مخلوقاته .
وبالجملة : فإن اعتقاد " الحلول والاتحاد " اعتقاد ظاهر البطلان ، وقد جاء الإسلام بمحوه من عقول الناس ؛ لأنه اعتقاد مأخوذ من مذاهب وفلسفات ووثنيات هندية ويونانية ويهودية ونصرانية وغيرها ، تقوم على الدجل ، والخرافة .
باختصار وتصرف من كتاب " مصطلحات في كتب العقائد " للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( ص 42 – 47 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق