الأحد، 23 يوليو 2017

الورقة العرفانية الثامنة: في رحاب الأحوال والمقامات

بعد المقامات الأساسية للسير القلبي في محبة الله لذاته سبحانه ، والمقامات الست للتوبة ، ثم المقامات الأربع لقبولها ، نشير لك يا مريد وجه الله تعالى لبعض الأحوال والمقامات التي نرجوا من الله تعالى أن نذوقها قلوبا وأرواحا ، وهي :


ـ الخوف:
 وبدايته خشية العذاب ، ونهايته خشية مكر الله سبحانه وتعالى ولو سبقت لك البشرى بالفلاح.. وبهذا تخاف الله تعالى هيبة من ذاته سبحانه ورهبة من عذابه الأليم كما تخاف من غضبه، فالمحب لله تعالى يخشى غضب حبيبه ونقمه و فتنه ، ومهما إنضبطـت على الأوامر ومهما إجتنبت النواهي ، فالأمن من مكر الله يجب أن يبقى مبعدا :" فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" 99 الأعراف.فتخشى الله مهما صفت لك العبادات ..بل وحتى لو كنت من المبشرين بالجنة كما كان بعض صحابة رسول الله صلوات الله التامات عليه وسلامه .. 
فالخوف من عذابه سبحانه وتعالى يختلف عن الخشية من مكره التي تختلف عن الرهبة من ذاته سبحانه التي تعني الخوف من مقامه :"ولمن خاف مقام ربه جنتان" 46 الرحمان.
فالخوف إذن أنواع ثلاثة:
خوف العذاب والغضب والنقمة وخوف المكر فخوف المقام.


ـ الإشفاق:
 وهو قمة الخوف الأول لحد وجل القلوب وقشعريرة الجلود..وغالبا ما يكون عند محاولة الثبات على التوبة النصوح إن كانت هناك نية خالصة وعزم أكيد .. 
فيخاف التائب من العقاب عما سلف من الذنوب  كما يخاف من الفشل في سلوكه، في الوقت الذي يحاول أن ينضبط  فيه على الإستقامة..
وهذا الإشفاق كلما قوي كلما أعان على الصبر وكلما سهلت التوبة ، وإكتسبت النفس الشفقة وكل أخلاق الرحمة.


ـ الخشوع:
وهو انضباط العقل والقلب فالروح مع العبادات لحد خشوعها لله في كل الأوقات ،وعند قوته وإستمراره يشعر الخاشع دوما بمعية الله تعالى وبحضوره لحد الإستغراق في العبادة ولحد الوله بالله تعالى ، بل ولحد الجذب كحال ناقص..
 ويبد أ الخشوع بطمأنينة الجوارح ثم الجوانح في الصلاة .حيث يحاول المصلي أن تكون صلاته خاشعة فيستحضر الفكر دوما في قراءته وتسبيحه وتكبيره وكل دعائه، مع إلتزام جوارحه بالحركات السنية وجوانحه بالطمأنينة فيها كلها.. إلى أن يخشع القلب متمتعا بهذا الإنضباط الظاهر والباطن.. 
فيحس المصلي بالسكينة والراحة في كل أو جل صلاته كما كان يقول الرسول صلوات الله عليه لبلال رضي الله عنه :" أرحنا بها يا بلال".أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار.
ولن يتم هذا إلا بالتفكر والإنضباط في أقوال وحركات وسكنات كل الصلاة.

ـ الإخبات:
وهو سجود القلب بكل خشية والإلتزام بكل الطاعات ، مما يولد قمة الخشوع القلبي والقولي والحركي ، ولا يحس به عابد إلا تذوق جرعا كبيرة من الطمأنينة أثناء العبادات وقبلها وبعدها ..وكانت لقلبه أذواق وملذات ..
فيدخل في ميلاده المعنوي بعد أن كان ماديا يكاد لا يرى إلا الجوانب المادية للحركات والسكنات والأشياء..
فيتقوى لديه الميل نحو الحكمة والمعاني والإشارات ليكون علقة معنوية ما عليها لتكتمل إلا أن تتم سلوكها نحو مقام المحبة .
وأول موجبات المحبة قوله صلوات الله عليه :" إزهد فيما عند الناس يحبك الناس وازهد في الدنيا يحبك الله":حديث حسن رواه إبن ماجة وغيره

ـ الزهد:
وبدايته تحقير الدنيا ..
ونهايته اليأس مما دون المولى عز وجل والزهد ، والزهد حتى في بعض ملذات الآخرة..
بمعنى تحرير قلبك وروحك وكل نفسك من حب الدنيا مهما حلت لك ، ومهما ملكت فيها..
وليس الزاهد هو الفقير من الماديات ، بل الزاهد هو من قلبه خال من حب الدنيويات ، وزاهد مهما عظم ملكه:
 فذو القرنين وسليمان وداوود عليهم السلام ملكوا الدنيا لكنهم كانوا فيها من الزاهدين ..
كما سيمسك المهدي عليه السلام كل الدنيا لحد استخراجه  كنوز الأرض وكنوز بيت المقدس .. لكنه - ورغم كل هذا -  عند الله من الزاهدين : 
فالزهد إذن ليس الفقر المادي بل هو الغنى المعنوي مهما كان الفقر أو الغنى الماديان ...
وليس الزهد أن لا تملك الأشياء بل الزهد أن لا تمتلكك الأشياء ، كما قال الشيخ الجيلاني قدس الله سره.
وكلما قوي الزهد في القلب كلما قويت الروح وإزدادت صفاء وزهدا في كل ما سوى الحبيب سبحانه وتعالى ..
 فلا ترجو النفس بعدها من المولى عز وجل غير وجهه الكريم ، وتعبده محبة فيه أولا وأخيرا  ..
بل وليكبر زهدها لحد استواء الدنيا والآخرة في قلبها  ..
ولتبقى غايتها الكبرى بل وغاية كل غاياتها الخالق سبحانه وتعالى  ..
فتستحي أن تطلب الجنة كأجر على العبادة لأنها كل الفضل وكل الثواب فضل من الله سبحانه وتعالى وحده ..
(لن يدخل أحدكم عمله الجنة) : كما جاء في الصحيحين .
فيصير كل مطمحها القرب من الله تعالى والسبق له سبحانه  :
( والسابقون السابقون 10أولئك المقربون 11) الواقعة .
وهنا وبعد أن كان القلب من المتنافسين في السلوك : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"..
تصير الروح من الطامحات للمقامات العلى:(وأما إن كان المقربين 88 فروح وريحان وجنة النعيم89 ) الواقعة.
وهاهنا يكبر زهدك لحد زهدك حتى في بعض الحلال: وذاك مقام الورع :


ـ الورع:
وهو ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه والحرام ..
ويبتدئ مع القوة في التوبة النصوح ، إذ يتورع التائب دوما عن الحرام لحد اجتنابه لكل الشبهات ولو كانت هناك فتاوى تبيحها ..
بل ولحد اجتنابه للعديد من أنواع الحلال التي تطبثه عن القوة في سيره وسلوكه وعن كل ما يحجب عنه لذة العبادة وحلاوة الإيمان..

ـ التبتل:

 ويعني دعاء وتلبية الجوارح كلها بكل انكسار والإنقطاع للعبادة..
بحيث يسرع المتبتل كلما توفرت له الظروف للإعتكاف أو الخلوة للتعبد وطلب العلم وللإبتهال بكل أنواع الطاعات ..
 ويعينه على كل هذا ما يذوقه من حلاوة الإيمان ولذات الخشوع، ومن كل ما يلمسه من معاني وحكم ، وخصوصا إذا ما عكف على دراسة القرآن والسنة و حكم العارفين وعلى تفسيرهم للكتاب الحكيم والسنة الشريفة..

ـ الرجاء :
وبدايته الأمل في كل رحمة ، ونهايته حيرة الهدى والبشرى بالولاء : 
حيث يقرن مع النية الخالصة والثقة في عفو الله تعالى بهمة جد علية..
 إذ هو أساس كل المقامات العلى للسلوك القلبي ، بل ولولا الرجاء لما كانت هناك عبادة ولا محبة ولا أحوال ولا مقامات ..
بينما ولو لم يكن هناك خوف لكانت هناك العديد من الأحوال والمقامات ..
وبذلك يرتفع مقام الرجاء على حال الخوف ، فالخوف وبالرغم من أن هناك من يعده مقاما ، يبقى الرجاء مقاما حتى في الجنة والحمد لله..
وبدايتهما معا الأمل في النجاة من العذاب والفوز بالجنة وقبول العمل ومعونة الله للعبد دنيا وآخرة ...
بينما نهايتهما رجاء المحسن في أن يكون من أهل الخصوصية والإجتباء ، ومن المقربين لحد حيرة الوصول لسر الإرادة والفناء في محبة الله ، كما قال عنها أبو بكر :" العجز عن الإدراك إدراك" وهي جملة لا تفسر بل تذاق كما ذاقها العديد من صديقي الأمة.

ـ الرغبة:

وهي تمني كل محبوب..والقوة الكبرى في الرجاء وفي الإصرار عليه ، وبها يعظم الرجاء وتعظم كل غاياته..
وهي من المقامات المهمة للزيادة في قوة الفرار نحو الله والسلوك إليه.

ـ تعظيم الحرمات : 
بمعنى تقديس الشريعة واحترام الشعائر، وتلك تقوى القلوب ، فيصير القلب حقا من قلوب المتقين : فلا يقترب أبدا حراما.. ويجتهد في الحلال كما يقدس كل ما له صلة بالمقدسات كالكعبة الشريفة والمساجد الثلاث : الحرام والنبوي والقدس.والمصحف والكتب الإسلامية ..
ويبجل العلماء لحد شعورة بقيمة كل أهل" لا إله إلا الله "فتكون عنده أذية المسلم كبيرة مهما صغرت.

ـ الإخلاص :

وبدايته خوف الرياء ونهايته الصديقية..
وهو أن تكون غاية كل العمل الآخرة بل وإذا قوي تكون غاية كل الغايات وجه الله الكريم لا غير.. 
فيعبد المخلص متحررا من كل شبهات المراءاة: 
كأن يطلب أجرا ماديا أو معنويا على عبادته أويبتغي من العبادة رضى الخلق لا جنة الخالق ورضاه سبحانه ...
وكلما كان هذا الإخلاص قويا كلما صفى من كل ما يناوشه، وسعى نحو كل المقامات العلى .. ونحو الصديقية كأعلى مقام بعد النبوءة:

ـ الصديقية:

وهي ثاني مقام بعد النبوة وتاجها القربة حيث يكون المحسن من أقرب المقربين وهما مقامان بعد مقام الكشف التي تذاق ولا تشرح..

ـ التهذيب:التخلق بالمكارم واجتناب كل السفاسف : وعند هذا المقام تبدأ المعالجة الحقيقية لكل الأعمال والأحوال ،والمراقبة الصارمة لأعمال الظاهر والباطن فتكون كل أعمال الجوارح والضمائر والجوانح بميزان ،وبكل تريث.. فيبدأ الكمال في المعاملات والأعمال.ويبتعد المحسن هنا على كل المعاصي والدناءات وتلك هي :


ـ الإستقامة:الإنضباط على الشريعة باطنا وظاهرا..فيستقيم القلب والفكر وكل عمل مهما صغر أو كبر على ميزان الثبات والحكمة..فينضبط المحسن انضباطا تاما لحد أن العديد من النوافل تصير لديه فرائضا..وأول ما يؤكد للمحسن استقامته رضى البر والفاجر عليه إلا الشواذ والظلمة.

ـ التوكل :الإعتماد على توفيق الله دون تعظيم الأسباب : وبهذا يتأكد العابد من فقره وضعف حوله وقوته مستجيرا بحول الله وقوته في كل شيء ..وهنا يتحقق من معاني وأنوار : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فيعمل باجتهاد ويترك الثمرة على الله تعالى ..فتغيب عن فكره كل الأفكار الضبابية

وعن كل إحساسه معاني التشاؤم ..فيسبب لكل مبتغياته دون الإعتماد على السبب، فالذي يسر له السبب سييسر بحوله وقوته نتيجته متى وكيفما وأنى شاء..وهناك فرق بين المتوكل والمتواكل الذي لا يجتهد بالعمل ويقول أنا من المتوكلين: فليس هذا بمتوكل بل متواكل ..والتواكل حرام في الإسلام فهو كسل وعجز أمر الرسول صلوات الله عليه بالإستعاذة منهما. نعوذ بالله من العجز والكسل آمين.

ـ الثقة:محو النفس من كل نيةناقصة..وهو أن يكون المسلم واثقا من معونة ربه ويكون المومن واثقا من توحيده وقويا في ثباته.. ويكون المحسن واثقا من محبته لله.. ويكون العارف بالله واثقا من ولايته..فيمحى عنهم كل شك ناقص : وتكون الثقة في الناس سابقة عندهم عن سوء النية فيهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم..لكن هذا لا يعني تغابن المسلم ف"المومن كيس فطن " أبي راجح العقل ذو بداهــة ونبوغ وذكاء.

ـ الصبر: الجلد مع البلاء ابتغاء لوجه الله: وهو تحمل كل البلايا والمصائب والأوجاع والآلام والفتن دون شكوى للخلق:بل وبكل تضرع للخالق وحده وكل إصرار على المزيد من طاعاته..ولولا مقام الصبر لما وصل لأعلى هاته المقامات إلا اليسير ..فهو بنزين السلوك ووقود الفرار نحو الله ..وكلما تكهربت الأحوال بمرض او مصيبة أو فتنة أو بلاء كلما ازداد المخلص خشوعا وتضرعا ..وكلما قوي هذا الخشوع كلما قطع السالك مقامات بأحوال لم يكن ليذوقها دون صبر لحد استغراقه التام في العبادة وزهده التام في الدنيا إن عظم له البلاء وتمكن من قلبه الإخلاص.

ـ الرضى: استواء البلاء بالنعم..فيرضى المحسن عن قضاء ربه وقدره بخيره وشره وذاك من مستلزمات الإيمان..ويبتدئ صدق الرضى بعدم الرضى عن النفس بينما لا يكتمل إلا بكمال الرضى عن الله..فلا يرضى المحسن عن نفسه مهما صفت أحوالها :فيرى حسناتها من الله وكل سيئاته منها ..إذن فهي معدن الشر والسوء لولا منة الله عليها بالغفران والإستقامة والتوبة.

ـ الشكر:ونهايته العجز عن الحمد..بينما من بداياته حمد الله على الأقل في فاتحة الصلوات وعند نهاية الشرب والأكل ليكبر لحد اتخاد الحمد لله وردا من الأوراد اليومية ..كما أن من مستلزمات شكر الله حمده على كل نعمه المتعلقة بك وبغيرك وشكرك كل من أسدى لك أو لغيرك معروفا:" ما شكرني من لم يشكر الناس"بينما من نهاياته الحمد المطلق الذي ليس له صلة بنعمة فتحمد الله محبة له وعلى منته بأن يكون لك إلها وإلا لكان استعبدك لأدنى مخلوقاته..والتأمل في الشكر والحمد بتفكر في الخلق وأسماء الخالق سبحانه تودي إلى العجز عن حمده سبحانه ..فحمدك له يحتاج لحمد آخر إذن فلا تستطيع حمد الله مهما بلغ بك البيان واليقين.. لكن لتعلم أن الله مهما أنعم عليك من عظيم النعم فالحمد لله خير منها..

ـ الحياء :بداية التوقير للرقيب سبحانه..وهو أن تنفر مشاعرك وأحاسيسك ومنطقك من كل الدناءات لحد ظهور ذلك على محياك ..والحياء لا يعني الخجل الذي يعد مرضا من الأمراض النفسية: فالخجول هو الذي يخجل من أية مواجهة مع الآخر بينما المستحي ليس خجولا وإنما ذو روح أبية وهمة علية.

ـ الصدق : فرض الصديقية الأكبر وأساس كل ولاء..وهو أن تكون أقوالك وأعمالك كلها حقة ..وهو الفرض الدائم على المومن الذي يجب أن يتحرى هذا الصدق ببحثه على الحق والحقيقة ..لأن هناك الكذب العمد وهناك الكذب الذي يأتي بسبب عدم تركيز المتكلم.. كما أن هناك الكذب الذي يعني الخطأ في الفكرة ..وحتى يتجنب المومن كل هذا عليه بالتفكير وعدم التسرع في القول والبحث دوما عن الحقيقة والحق وذاك هو التحري الذي قال فيه الرسول صلوات الله عليه : ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"

ـ الإيثار: وهو تفضيل الآخر رغم الحاجة..حيث لا تكون الأنانية بشقيها: ـ لا الأنا العليا ولا الأنا السفلى ـ طاغية على المرء.. فيسعى لخدمة الآخرين قبل خدمة نفسه ، لحد تفانيه في خدمة كل المجتمع بل والأمة فلا تكون أعماله وأنشطته متعلقة بطموحاته النفسية ..بل تكون له العديد من الحركات الإجتماعية من أجل خير المسلمين بل وكل الناس ..أوعلى الأقل يفضل الآخر على النفس عند تساوي الحاجات.

ـ التواضع: عدم الشعور بالتواضع..ويعني بداية استصغار النفس وعدم تعظيمها أو الشعور بعلويتها على الآخرين ..ولا يتم هذا إلا لمن كانت معاملته جد رقيقة ولينة مع كل الناس لا يتكبر عليهم بقول ولا فعل ولا حركة أو إشارة ..ومن يحس بأنه يتواضع للناس فتواضعه لم يكتمل بعد لاعتقاده الباطن بتكبره الخفي .

ـ الفتوة:التجرد بكل عزم وإصرار وبسالة لخدمة الإسلام والمسلمين ..وهذا لا يتسنى إلا بعد التشمير للعبادة بانضباط تام على الفرائض بل والنوافل والأوراد .. فلا يريد إلا الآخرة مهماأ قبلت عليه الدنيا.

ـ الإرادة:اليأس مما سوى المعبود سبحانه لوجهه وحده..وهي العزم والفتوة ونية العبادة بكل الأحوال والمقامات بغية وجهه الكريم وحده..وبغية الوصول وتذوق ما ذاقه الصادقين في الفرار والسلوك لله سبحانه.والمريد لقب من ألقاب السالكين كالمراد الذي تسبق له الأحوال قبل الإرادة لكن عند التحقيق فكل مريد مراد وكل مراد مريد.

ـ الأدب : التخلق بصفات العبودية..حيث تكتمل للعبد أخلاقه مع ربه تعالى ومع الناس بل ومع الحيوانات والطبيعة ..فيكون مهدب السلوك متأدبا داعيا بحاله قبل مقاله لكل أخلاق الإسلام السامية.

ـ اليقين: ذروة الإيمان وهو العلم بالإيمان..وتيقن من الشيء يعني تأكد منه ونفىكل شك فيه..وهنا يكتمل للمومن إيمانه فيسمى موقنا ..وهو كمال الإيمان وهذا لا يتم إلا بعلم :فهناك من اكتمل له الإيمان القلبي لكن لا يكتمل الإيمان العقلي والفلسفي إلا بعلم اليقين الذي هو علم من أرقى علوم الإحسان.

ـ الذكر:عدم غفلة القلب عن المحبوب سبحانه..ويطلق غالبا على ذكر الله بالباقيات الصالحات: "لا إله إلا الله ـ الله أكبر ـ سبحان الله ـ الحمد لله ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله " والإستغفار والصلاة على النبي صلوات الله عليه وتلاوة القرآن..لكن عند التحقيق فكل العبادات ذكر لله ..ومن أكثر في العبادات ونوع فيها فهو الذاكر حقا.

ـ الفقر: الغنى بالله وحده..حيث يحس المومن بفقره التام "لا للدنيا ولالنعيم الآخرة" بل لفقره لمحبوبه سبحانه وتعالى: وذاك من كمال العبودية وحقيقتها، فما قامت إلا على فقر الكل لله وغناه تعالى عن الكل .فحقيقة عبوديته هي حقيقة الإفتقار إليه ..لحد اليقين بالفقر لله وذاك هو الغنى بالله.

ـ الإجتباء : الإصطفاء والإختيار..وهنا تظهر للمريد بوارق وواردات تحثه على التشمير في السلوك وتبشره بالعناية الربانية به لحد تبشيره بالولاية والجنة كما بعض الصحابة والأولياء.

ـ الإحسان: الشعور بحضرته سبحانه وهو كما قال الرسول" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهنا يشير صلوات الله عليه بجوامع الكلم للمقام الأول في الإحسان: وهو الشعور بأنه يراك وذاك مقام المراقبة ..ثم لحال الشهود والمعاينة والكشف : كأنك تراه ...بينما يبقى الإحسان هو إتقان كل عمل وقول وحركة وسكون بضبطها التام مع الشريعة.

ـ العلم: الإعتراف بالجهل..إذ قمة العلم قولك " الله أعلم " فتتحرر من علمك الضيق لعلمه الواسع لحد نهلك من عرفانك به سبحانه.. وذاك هو علم اليقين والعلم اللذني وعلم الكتاب وغيرها من علوم الراسخين في العلم..فتتحرر من علوم اللسان والحروف والرسوم لعلوم العرفان كلها.

ـ الفراسة: فكرةالبصيرة .. وهي العين الباطنة القلبية التي يرى المومن بها الشيء على حقيقته مهما حاول الآخر إخفاءه .. كما قال عن ذاك الرسول صلوات الله عليه: اتقوا فراسة المومن فإنها لا تخطئ وفي رواية فإنه يرى بنور الله"

ـ السكينة:اطمئنان الباطن والظاهر..حيث يحس المحسن بسكون في فكره وقلبه يوقظ فيه كل المشاعر الربانية من تأمل عميق وإحساس بالسعادة الحقة التي هي صفاء الفكر والقلب وشفافية الروح .

ـ السماع:ذوق معاني وأسرار القرآن والشعر والحكم..حيث يولد لدى المحسن فهم الإشارات والمعاني وما وراء الأقوال والسطور ..فيكون مستمعا بفقه قلبه وشفافية روحه لا بدماغه وأذنيه فقط. .

ـ الجمع: الفناء عن الأنا والشعور بالله وحده..حيث تغيب على المحسن كل مميزات ذاته لانغماسه في العبودية والتفكر في الله سبحانه كلاما وصفاتا وأسماء وأفعا:لاحتى يرى كل العوالم وأعمالها من الله : "والله خلقكم وما تعملون " فيرى فعل الله في كل شيء ..كما يرى يقينه بالله في قلبه وفكره ومحبته فياضة على روحه وذاك هو الفناء في الله لحد الغيبوبة عن الأنا واللهج بالمحبوب تعالى وهنا قال البعض:" أنا من أهوى ومن أهوى أنا " ولا يكون هذا إلا باكتمال المحبة وفرائضها وكل نوافلها.لكن هذا ليس حقيقة بل هو من الشطحات الذي استعاذ منها الكمل من الأولياء وهي أحوال قاهرة مرت على بعض الأولياء ..لكن الخطأ في أن البعض يقرأها على حرفيتها لا على شاعريتها وشذوذها.ومن ذاقها سيعرفها.

ـ الفرق: الرجوع للشعور بالنفس..وبعد أن يغرق المحسن في العبادة لحد استغراقه الدائم يقظة ومنانا في العبادة واللهج بالمحبة دون شعور بماهيته ..حيث يفنى كل إحساس به وبالعالم كله ..يأتي لطف الله ليخفف عنه شدة هذا الإستغراق فيعود للشعور بشخصه ثم العالم وذاك هو مقام الفرق.

ـ الحضور: الوعي بمعيته عز وجل ..حيث يحس دوما بحضرة الله تعالى وبأنه حاضر معه وذاك من تذوقات قوله تعالى:" فإنك بأعيننا"..فتكتمل عنده كل مقامات المراقبة ولوازمها وبذاك يرقى لمقام الحضور كما الرسول صلوات الله عليه وكذلك مهدينا عليه السلام الذي سيظل خاشعا لله رغم خلافته العظيمة.

ـ السكر: فقد الإدراك بحيرة ما فوق كل إدراك... وهو قمة الخشوع في العلوم والعبادات إذ تسيطر الأفكار والواردات الباطنة على العقل والشعور حيث يغيب المحسن عما سوى مشاعره ..وإن كان عرفانه لم يكتمل بعد كانت له شطحات كلامية أو حركية نعوذ بالله منهاكما سبق.

ـ الصحو: عقلنة المعاني بعد السكر بوارداتها..فبعد قوة الواردات والغرق في الإستغراق في العبادة يعود المحسن الذاكر للشعور بحركاته وأقواله وكل كيانه ..فيصحو للوجود بعد أن غاب عن كل موجود.

ـ الهمة:ما أهم الباطن ..وهنا تكون همة المحسن عالية لا يرجو بها غير وجهه الكريم فيعبد الله لأنه يستحق العبادة أولا وأخيرا ..ورجاؤه من العبادة متعلق بالذات والصفات لا بالمخلوقات مهما عظمت ولا حتى الجنة.فتبقى الجنة عنده وسيلة لا غاية.

ـ المحبة: العشق الإلهي.. وهي كمال معرفة الجمال والجلال ..فيفيض المحسن شوقا لمحبوبه سبحانه وتعالى ..بعد أن اكتملت المعرفة فكرا وبدأت أذواقها تنعش القلب والروح باطنا.

ـ الغيرة: التنافس على القرب والكمال..لحد الغيرة من كل كل عمل يشين للعبادة.

ـ الوجد: الشعور بلذة العبادة وحلاوة اليقين.. وهو تذوق المعاني وتذوق الخشوع لحد التلذذ بهما ..ولكل عمل وكل صفة من صفات الله وجدها ..والوجد هو أن تجد المعنى الباطن للذكر أو العبادة أو الفكرة أو النظرة.

ـ البرق:النور اللامع سريعا بالواردات..وهو وارد سريع جدا يحث المحسن على السير ويملأه طـاقة للسرعة في الفرار نحو جنابه تعالى.

ــ الغيبة:نسيان السوى..وليست السكر بل هي الغيبة عن كل ما سوى المذكور لحد الغيبة عن النفس ذاتها وعن الشعور بكل الوجود ..فلا يبقى الشعور هنا إلا بوله المحبة .

ـ القرب: استشعار محبة الروح..والشعور حقا بأن الله تعالى أقرب من حبل الوريد ..والقرب الذي نعنيه هنا هو تأكد المحسن من قربه من الله وقرب الله منه وهو مقام للمقربين فقط..

ـ البعد: فقدان كل المواجيد ..وهو من أصعب أحوال المحسنين : فبعد أن ذاقوا نعيم الأحوال والمقامات يغيب عنهم كل وجد وكل حال : لحد شعورهم ببعد فكرهم ومشاعرهم عن الله لا عن التدين ..وهو حال يحتاج فيه المحسنون لصبر كبير وذكر أكثر.

ـ الوله: الشغف بذكر المحبوب في اصطلام..وهو فيضان المحبة لكن في صبر وخوف لافي أنس ورجاء

ـ السحق: الشعور بالعدم وهو حال يسحق الله به كل أنانيات وعيوب المقربين. فيشعر المقرب كأنه صفر وجودي أو كأنه شبح.

ـ المحق:ضيق السجن في العدم..وهو شعور ثاني بعد السحق بعدمية الوجود فيحس المقرب كأنه صفر سالب مسجون في صفر موجب ..وهو من أشقى بل هو أصعب حال.

ـ الإصطلام : حرارة الولع بأشواق القرب .. وحرارة المحبة والقلب لم تخمد فيه بعد نيران الأحوال الصعبة..

ـ الوصل:رؤية السر وهو يرى ولا يشرح : فأسرار الربوبية لا تفشى .

ـ العبودة: الشعور بتحرر الأنفاس بالعبادة..وهي العبادة الحرة وعبادة المبشرين بالجنة فيعبد المحسن الله متحررا من كل الأحوال الناقصة وباكتمال كل المقامات الواجبة .وهي عبادة أهل الولاء التام.

ـ الذوق: فهم المعاني والشعور بالمواجيد..ولا يكتسبه كل مسلم بل للذوق ميلاد مع قوة الإيمان وكثرة الذكر .وكثرة الذكر والفكر تقوي الذوق القلبي بالمعاني المرجوة من العبادات.

ـ الصفاء: نقاء السرائر من كل ناقض للمحبة..فيرجح العقل ويطهر القلب وتشف الروح ويتنظـف الجسم.

ـ الفرح: السعادة بفضل الله والبشرى بمننه..فلا يفرح القلب أبدا بالدنايا بعد أن فرح بالسكينة الباطنة والطمأنينة الكاملة وبرحمة الله وفضله .

ـ السر: ما لايكشف وما لايعبر عنه

ـ الغربة: التخلص من كل العادات المألوفة للناس..والشعور بالتميز عن العديد من العابدين.

ـ التمكن: البشرى بالإجتباء..والتمكن من فهم السر.. واليقين في الوصل.

ـ القبض:ضيق يستشعره كل سالك بتكرار..وهو حال متكرر في كل السلوك .

ـ البسط :الفرح بعد قرح القبض ..وهو منة من الله لمعالجة القلب والفكر والروح من القبض.

ـ المعاينة: المشاهدة بعين اليقين.. وهي مشاهدة في عالم الغيب. ترى ولا تشرح.

ـ الهيبة:قشعريرة الشعور بالعظمة والخوف والمحبة معا: فيستشعر المحب العديد من المعاني القلبية ومن الصفات الربانية فلا يزيد إلا هيبة من الحبيب الرحمان تعالى .

ـ الحياة: تذوق المعاني الباطنة بالملكوت ..وهو ميلاد الروح في عوالم المثل والمعاني فيكون للقلب عالمه وللروح عالمها وللفكر عوالمه كما للجسم عالمه.

ـ الأنس:الإنبساط بذكره مع الشعور بحضرته سبحانه..وهو حال التلذذ بالقرب


ـ المعرفة: العلم بأسرار إسم "الله" سبحانه..وهي ذوق رغم أن منها ما يشرح. وهي العلم بالله كما قال الرسول صلوات الله عليه عن أبي هريرة ض : " من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله فإذا تكلموا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله" فهذا هو العرفان بالله وعلم الحقائق.
ـ رعاية الأسباب : العمل بالعلل مع تحقيرها..فيجتهد المحسن بالأعمال مع إتقانها لكن بتحقيرها ليقينه بأن الثمرة من الله لا من السبب ..والسبب وسيلة وليس هو المسبب سبحانه.

ـ استئناف التوبة: التوبة من علل الطـاعات..والتوبة واجبة دوما حتى للأولياء ومستحبة للأنبياء أنفسهم وهي تاتي بعد اكتمال السلوك وذوق ثمراته والتمكن من نتائجه.


ـ استئناف التوحيد: العلم بالأحدية..وهو علم صعب جدا لا يقدر عليه إلا المجتبين من أوليائه ..وكل من قرأه من غيرهم لا يطيقه لحد تكفير بعض العلماء لبعض الأولياء الذين تكلموا في هاته العلوم.وهنا يرى المحسن حقا أن لا إله إلا الله أثقل من السماوات والأرض كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ـ الشهادة: التأكد من التوحيد..وهي الشهادة بعد العلم بها فكرا وقلبا وذوقا وذاك هو علم اليقين .

ـ الفناء : سحق الأنا بإفراط الشعور بالمحبة وتجمع بين الغيبة والسكر .

ـ البقاء : ذوق كل أسماء الألوهية في كمالاتها..وكمال المواجيد والحكم الربانية في القلب والفكر والروح..فتكتمل هنا ألوهـة العبد لا ألوهيته.والألوهة هي تحقق الروح من كل الصفات الإلهية المجازة للعبد.وشرحها سيأتي بحول الله مع فقرة " فاتحة التخلق بالأسماء الحسنى"

ـ المحو: مسح كل صفات النفس..فلا تكون النفس إلا قلبية ولا يكون القلب إلا روحيا ولا تكون الروح إلا سماوية.

 الإثبات : تأكيد أوصاف الربانية: فبعد محو كل الصفات الذميمة تثبت كل الصفات المحمودة وتلك أخلاق الربانيين.

ـ الشهود: رؤية البصيرة لأسرارها بالأفق الأعلى وهي نافذة تفتح على عوالم الحقائق والمثل.. وترى ولا تشرح.

ـ الكرامة: معجزة الولاية.. وهي برهان من الله لبعض الأولياء على اجتبائهم ولا تكون لهم كلهم.

 ـ الولاء: العبودة التامة وتحقيق الربانية لاالربوبيةوالألوهة لا الألوهية.

ـ الجذب: انهزام المشاعر أمام قوة الواردات..وغالبا ما تكون للمرادين الذين تأتيهم الأحوال الكبرى للسلوك لله قبل بدايته .وهي انهزام العقل أمام تذوق الحكم والحقائق.
ـ الحقيقة: التحقق من المثل الأعلى..ورؤية كل شيء على الحقيقة فالرسول صلوات الله عليه قال: "لكل شيء حقيقة "..ولهذا يدعوك هذا الكتيب: لحقائق الإسلام والإيمان والإحسان لا رسومها.وهذا هو الفقه الأكبر كما قال أبو حنيفة رضي الله عنه.


ولهذا أخي الطالب ربما أنكرت بعض هاته الأحوال والمقامات لتشبتك بالفقهيات فقط : فاعلم أننا نشرح لك حقائق السلوك نحو رحاب القرب من الله تعالى وهو الهدى الذي تدعو به في الفاتحة بقولك " إهدنا الصراط المستقيم " فهاته هي مقامات الهدى التي قال عن سبلها الله تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " والهداية لهاته السبل إنما هي هداية للسير والسلوك والفرار نحو الله الذي هاته معظم مقاماته وأحواله ..لكن لا يذوقوها إلا من اكتمل صدقهم ..فالصدق فرض السلوك وأساس الصديقية .
واعلم وفقك الله أن هاته المقامات من المقامات التي أجمع عليها كل أولياء الله الصالحين ..فإن لم تذقها فسلم لمن ذاقوها ..وهي أذواق لا تأتي مقاماتها العليا إلا لمن اجتباهم الله لولايته.فإن لم تعم في أعالي البحار فسلم لمن أتاك منها بجواهرولآلئ..وحذاري أن تقول الإسلام ما فهمت ..ولا أن ترفض الفقه الأكبر باستغناء بفقهك الأصغر ..لكن "الله يجتبي إليه من يشاء" ولفقه المجتبين ندعوك يا طالب النور والهدى ..أما إن كنت تطلب فقط علم الحلال والحرام فتكفيك السنة الظاهرة بالبيان اللغوي...لكنا نريد ان نرقى بفكرك نحو برهانية الإيمان وعرفانية الإحسان..فلا تحقرن نفسك ألهمك الله إشاراتنا :
" لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لنالها"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق