الأحد، 23 يوليو 2017

إشكاليات وحدة الوجود:

لا توافق تجربتي الصوفية كل تجربة إبن عربي في وحدة الوجود الذي  يدعيها أيضا على مادييتا فلاسفة الكفر ، وذلك من عدة وجوه:

أولا / لأن إسم الله تعالى في علم الحروف يعني اللاه أي اللاهو ..
 إذن فكل ما يخطر ببالك فالله بخلاف ذلك :
فما الشعور بوحدة الوجود عند الولي الحق إلا حال شعوري حين يتجلي في قلبه وروحه وعلى كل كيانه إسم الله القريب ، وقوله تعالى : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.. أو تتجلى عليه بعض صفات الله تعالى في كل الكون ذوقا..
 بينما إبن عربي يرى في خيالاته أن ه : أي الهاء المرفوعة في إسمه تعالى هي: هو بمعنى أن الهاء  تساوي الهو، وبالتالي رأى بأن الله تعني بأنه لا هو وأن كل الصور النورية المتجلية لنا حاملة لأنوار الذات الإلهية سبحانه ربنا وتعالى عن كل هذا علوا كبيرا ..
 وبالتالي فكل أنوار الكون المكنونة في الأشياء من أنوار الذات ، ومخلوقة وغير مخلوقة بينما: الحقيقة أن (الخلق خلق ، والخالق غير مخلوق)... 
وكأنه يقول بأن روح الكون وكل أرواح المخلوقات من ذات الله سبحانه وتعالى علوا كبيرا...
بل وقد قال الله تعالى : ( له ما في السماوات والأرض وما بينهما)  ولم يقل :  (هو ما في السماوات والأرض وما بينهما ) سبحانه.
فلا الله إلا الله سبحانه.
بل وحتى قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض :لا تعني الحلول والإتحاد والوحدة بل به تستنير كل السماوات والأرض ، وهي من الآيات المتشابهات التي لا يتبعها إلا من في قلوبهم مرض..
ولن تتجلى إلا عند قوله تعالى : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) 
كما أن قوله تعالى : ( مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب ذري ) يومئ بوضوح أننا محجوبون بهاته الزجاجة الطبيعية ، وأبصارنا لا يمكن أن ترى كل نورها ، فما بالك بنور الذات سبحان ربنا.

ثانيا / بوحدة الوجود هاته حاول الشيخ  أن يوحد بين كل التصوفات الفلسفية وتصوف الديانات الوضعية مع تصوف الإسلام ...
وفعلا لكل دين تصوفه ..لكن الدين الباطل تصوفه باطل ..
ولا تصوف بحق إلا التصوف الإسلامي السني ما حافظ على عقيدة التوحيد في ظاهرها السلفي أولا وأخيرا.
                      (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)..
فعقيدة الإسلام (لا إله إلا الله) لا (ما في الوجود إلا الله)..
 بل والله فوق الزمان وفوق المكان بل وفوق الوجود لأنه واجد الوجود ، لا واجبه فقط كما يرى الفلاسفة.. 

بل وفوق كل المطلق سبحانه وتعالى ..
وهنا إختلفت تجربتي الصوفية عن تجربته ...

ثالثا / إيمانه بالتنزيه والتشبيه معا ظنا بأن صفات الخلق كصفات الخالق ، وبالتالي فما الوجود  إلا تجلي وفيض من الذات في مقامات دنية سبحانه  وتعالى عن كل دنايانا ودنيوياتنا ..
 بينما أومن بالتنزيه وكالتشبيه لا التشبيه، فالوصف في الخلق ليس أبدا كصفة الخالق.
وبالتالي فكل ما يخطر ببالك الله بخلاف ذلك.

رابعا / الخلق ليس فيضا ولا تجليا للذات العلية سبحان الله تعالى بل معظم الخلق من الكلمة كن ، والسماوات والأرض من قوله تعالى ( أو لم ير الذين كفروا ان السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) كما ثبت حتى فيزيائيا. 
وما الدنيا كلها والآخرة كلها إلا كحلقة في كفلاة تحت عرشه سبحانه..

خامسا / عدم تفرقته بين تجلي صفات الذات في الخلق (والتي ما هي إلا تجلي لصفات أفعال الذات) .. وبين تجلي الذات.
حتى قال بأن إسم الله العليم هو العلم وهو المعلوم لفنائه في إسم الله العليم .
فرأى بأن المعلوم هو العليم سبحانه وتعالى ربنا عن كل التوهمات .

سادسا / فقال بالتشبيه : (ليس كمثله شيء) حتى قال عن هاته الآية بأن الله تعالى لم يقل :(ليس مثله شيء) بل قال كمثله ، فأكد الكمثل التي يشعر بها كل ولي حين البشرى بالحديث القدسي : 
( .. كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ...)  
وبهذا أقول بالتنزيه المطلق دون أي تشبيه ..
وما كالتشبيه إلا حال لا مقام غفرالله لنا وله. فتجلي صفات الأفعال في الخلق ليست بتجل للذات..

سابعا /ولكل من يدعي هاته الوحدة إنطلاقا من قوله تعالى :
                               (الله نور السماوات والأرض)
وقوله تعالى :               (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ؟)
نقول بأن نوره في الأرض هو تجلي معاني صفاته في أفعاله لا أنوارذاته :

فمثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب ذري : يشير إلى أننا محجوبون عن مثل نوره هذا بنور الزجاجة التي نورها كأنه كوكب ذري فوق كل طاقات أبصارنا..
 فأنوار الأكوان كظلماتها ، ولطائفها ككثائفها ،ومعانيها كمادياتها تحجبنا كلها كما يحجبنا ضيق سمعنا وبصرنا وضعف قوانا الخلقية كلها عن رؤية النور المتجلي في السماوات والأرض منه سبحانه وتعالى : 
فما نرى ونحس إلا بتجليات صفات الأفعال المتجلية في كل الخلق. 
بل ولا نور للمومن نحو كل هاته الأنوارالعلية إلا بنور العلم وبنور الإيمان وبأنوار الخشوع التام لله سبحانه ، وأنوار المحبة التي غرق فيها من غرق. مع الإلتزام التام بالقرآن الكريم والسنة الشريفة عمليا وبكل فقهياتهما وعلومهما .
بل وما الظل الممدود حتى بمنهج إبن عربي إلا ظل العرش..

 فأول تجلي لله تعالى هو إستواؤه على عرش الرحمانية ..
وهذا الإستواء الرحماني على العرش هو المتجلي في كل عوالم الخلق..
فكلنا اليوم في ظلال العرش كأعظم مخلوق ، والتي تحجبنا بما لا يعلمه إلا الله سبحانه..
وفي القيامة سيبقى هذا الظل مباشرة لأهل الجنة ، وللمومنين فقط:
بينما للكافرين ظل جهنم : (في ظل ذي ثلاث شعب) : أعاذنا الله منها ...

ثامنا /  وإلى الذين يقولون بأنه واحد من كثرة نحذرهم من قوله تعالى :
                               (وجعلوا له من عباده جزءا)..
فالله واحد أحد ولا يتجلى في أحديته وواحديته إلا هو سبحانه وتعالى ، وبكل تسبيح ، وبتنزيه كامل ، ودون أي تشبيه .. 

فهو فوق الوجود سبحانه ، بل وهو الواجد ، وليس بموجود كوجودنا، وإلا فمن هو قبل وجود الوجود سبحانه ؟؟؟
ولكم موجزا شاملا عن هاته العقيدة الخطيرة والتي وللأسف أصبح بعض مثقفي زوايانا يدعون لها فلسفيا ، وعلى مادياتها وشكلياتها سبحان الله عما يفكون ، حتى قال لي أحدهم : 

بأن الله خلقنا في جوفه ..
وقال لي آخر : إن الله هو محمد صلوات الله عليه تماما كتأليه النصارى عيسى عليه السلام وتأليه الشيعة لبعض أئمتها عليهم السلام وتأليه الصوفية القبورية لبعض الأولياء قدس الله أسرارهم :
 ليقدس العديد من الجهلة كل الوجود إنطلاقا من العديد من العقائد والفلسفات الدخيلة ..
وحتى صار معظم زوايانا يدعونك إلى : ( لا إله إلا الله ) في البداية ، ثم لكل الشركيات بعدها والعياذ بالله. 
التعريف :
وحدة الوجود مذهب(*) فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة(*) حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.
ونحن نوضح هذا المذهب لأن آثاره وبعض أفكاره لا زالت مبثوثة في فكر أكثر أهل الطرق الصوفية المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، وفي أناشيدهم وأذكارهم وأفكارهم.
والمذهب كما سنرى موجود في الفكر النصراني واليهودي أيضاً، وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ومنها المذهب المانوي والمذهب الرزرادشتي وفلسفة(*) فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين(*).
التأسيس وأبرز الشخصيات وأهم آرائها:
إن فكرة وحدة الوجود قديمة جداً، فقد كانت قائمة بشكل جزئي عند اليونانيين القدماء، وهي كذلك في الهندوسية الهندية. وانتقلت الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين من أبرزهم: محي الدين ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني. ثم انتشرت في الغرب الأوروبي على يد برونو النصراني وسبينوزا اليهودي.
ومن أبرز الشخصيات وأفكارهم:
• ابن عربي 560هـ – 638هـ:
هو محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد الله العربي، الحاتمي، الطائي، الأندلسي وينتهي نسبه إلى حاتم الطائي، أحد مشاهير الصوفية، وعرف بالشيخ الأكبر ولد في مرسية سنة 560هـ وانتقل إلى أشبيلية، حيث بدأ دراسته التقليدية بها ثم عمل في شبابه كاتباً لعدد من حكام الولايات.
في سن مبكرة وبعد مرض ألم به كان التحول الكبير في حياته، حيث انقلب بعد ذلك زاهداً سائحاً منقطعاً للعبادة والخلوة، ثم قضى بعد ذلك حوالي عشر سنين في مدن الأندلس المختلفة وشمالي إفريقية بصحبة عدد من شيوخ الصوفية.
في الثلاثين من عمره انتقل إلى تونس ثم ذهب إلى فاس حيث كتب كتابه المسمى: الإسراء إلى مقام الأسرى ثم عاد إلى تونس، ثم سافر شرقاً إلى القاهرة والقدس واتجه جنوباً إلى مكة حاجاً، ولزم البيت الحرام لعدد من السنين، وألف في تلك الفترة كتابه تاج الرسائل، وروح القدس ثم بدأ سنة 598 هـ بكتابة مؤلفه الضخم الفتوحات المكية.
في السنين التالية نجد أن ابن عربي ينتقل بين بلاد الأناضول وسورية والقدس والقاهرة ومكة، ثم ترك بلاد الأناضول ليستقر في دمشق. وقد وجد ملاذاً لدى عائلة ابن الزكي وأفراد من الأسرة الأيوبية الحاكمة بعد أن وجه إليه الفقهاء سهام النقد والتجريح، بل التكفير(*) والزندقة(*). وفي تلك الفترة ألف كتابه فصوص الحِكَم وأكمل كتابه الفتوحات المكية وتوفي ابن عربي في دار القاضي ابن الزكي سنة 638هـ ودفن بمقبرة العائلة على سفح جبل قسيون.
• مذهبه في وحدة الوجود:
يتلخص مذهب ابن عربي في وحدة الوجود في إنكاره لعالم الظاهر ولا يعترف بالوجود الحقيقي إلا لله، فالخلق هم ظل للوجود الحق فلا موجود إلا الله فهو الوجود الحق.
فابن عربي يقرر أنه ليس ثمة فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن أقواله التي تدل على ذلك:
"سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها".
ويقول مبيناً وحدة الوجود وأن الله يحوي في ذاته كل المخلوقات:
يا خالق الأشياء في نفسه *** أنت لما تخلق جامع
تخلق ما لا ينتهي كونه *** فيك فأنت الضيق الواسع
ويقول أيضاً :
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا *** وليس خلقاً بذاك الوجه فاذكروا
جمِّع وفرّق فإن العين واحدة *** وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذرْ
وبناءً على هذا التصور فليس ثمة خلق ولا موجود من عدم بل مجرد فيض(*) وتجليّ ومادام الأمر كذلك، فلا مجال للحديث عن علة أو غاية، وإنما يسير العالم وفق ضرورة مطلقة ويخضع لحتمية(*) وجبرية(*) صارمة.
وهذا العالم لا يتكلم فيه عن خير وشر ولا عن قضاء(*) وقدر(*) ولا عن حرية(*) أو إرادة ومن ثم لا حساب ولا مسؤولية وثواب ولا عقاب، بل الجميع في نعيم مقيم والفرق بين الجنة والنار إنما هو في المرتبة فقط لا في النوع.
وقد ذهب ابن عربي إلى تحريف آيات القرآن لتوافق مذهبه(*) ومعتقده، فالعذاب عنده من العذوبة، والريح التي دمرت عاد هي من الراحة لأنها أراحتهم من أجسامهم المظلمة، وفي هذه الريح عذاب وهو من العذوبة:
ومما يؤكد على قوله بالجبر(*) الذي هو من نتائج مذهبه الفاسد:
الحكم حكم الجبر والاضطرار *** ما ثم حكم يقتضي الاختيار
إلا الذي يعزى إلينا ففي *** ظاهره بأنه عن خيار
لو فكر الناظر فيه رأى *** بأنه المختار عن اضطرار
وإذا كان قد ترتب على قول ابن عربي بوحدة الوجود قوله بالجبر ونفى الحساب والثواب والعقاب. فإنه ترتب على مذهبه أيضاً قوله بوحدة الأديان(*). فقد أكد ابن عربي على أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق.
يقول في ذلك:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن
فمذهب وحدة الوجود الذي قال به ابن عربي يجعل الخالق والمخلوق وحدة واحدة سواء بسواء، وقد ترتب على هذا المذهب نتائج باطلة قال بها ابن عربي وأكدها وهي قوله بالجبر ونفيه الثواب والعقاب وكذا قوله بوحدة الأديان.
وقد تابع ابن عربي في القول بوحدة الوجود تلاميذ له أعجبوا بآرائه وعرضوا لذلك المذهب(*) في أشعارهم وكتبهم من هؤلاء: ابن الفارض وابن سبعين والتلمساني.
أما ابن الفارض فيؤكد مذهبه في وحدة الوجود في قصيدته المشهورة بالتائية:
لها صلاتي بالمقام أقيمها *** وأشهد أنها لي صلَّت
كلانا مصل عابد ساجد إلى *** حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن *** صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
ومازالت إياها وإياي لم تزل *** ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
فهو هنا يصرح بأنه يصلي لنفسه لأن نفسه هي الله. ويبين أنه ينشد ذلك الشعر لا في حال سُكْر(*) الصوفية بل هو في حالة الصحو(*) فيقول:
ففي الصحو بعد المحو لم أك غيرها *** وذاتي ذاتي إذا تحلت تجلت
والصوفية معجبون بهذه القصيدة التائية ويسمون صاحبها ابن الفارض بسلطان العاشقين، على الرغم مما يوجد في تلك القصيدة من كفر صريح والعياذ بالله.
وأما ابن سبعين فمن أقواله الدالة على متابعة ابن عربي في مذهب وحدة الوجود: قوله : رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك الله فقط، والكثرة وهم.
وهنا يؤكد ابن سبعين أن هذه الموجودات ليس له وجود حقيقي فوجودها وهم وليس ثمة فرق بين الخلق وبين الحق، فالموجودات هي الله!!
أما التلمساني وهو كما يقول الإمام ابن تيمية من أعظم هؤلاء كفراً، وهو أحذقهم في الكفر(*) والزندقة(*). فهو لا يفرق بين الكائنات وخالقها، إنما الكائنات أجزاء منه، وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر، وأجزاء البيت من البيت، ومن ذلك قوله:
البحر لا شك عندي في توحده *** وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور *** فالواحد الرب ساري العين في العدد
ويقول أيضاً:
فما البحر إلا الموج لا شيء غيره *** وإن فرقته كثرة المتعدد
ومن شعره أيضاً:
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى *** سواي أخو وجد يحن لقلبه؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري *** وما بعده إلا لإفراط قربه
فالوجود عند التلمساني واحد، وليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق، بل كل المخلوقات إنما هي الله ذاته.
وقد وجد لهذا المذهب(*) الإلحادي(*) صدى في بلاد الغرب بعد أن انتقل إليها على يد برونو الإيطالي ورَوّج له اسبينوزا اليهودي.
جيور وانو برونو 1548-1611م وهو مفكر إيطالي، درس الفلسفة واللاهوت في أحد الأديرة الدينية، إلا أنه خرج على تعاليم الكنيسة(*) فرمي بالزندقة، وفرّ من إيطاليا، وتنقل طريداً في البلدان الأوروبية وبعد عودته إلى إيطاليا وشي به إلى محاكم التفتيش فحكم عليه بالموت حرقاً.
باروخ سبينوزا 1632 – 1677م وهو فيلسوف هولندي يهودي، هاجر أبواه من البرتغال في فترة الاضطهاد الديني لليهود من قبل النصارى، ودرس الديانة اليهودية والفلسفة كما هي عند ابن ميمون الفيلسوف اليهودي الذي عاش في الأندلس وعند ابن جبريل وهو أيضاً فيلسوف يهودي عاش في الأندلس كذلك.
ومن أقوال سبينوزا التي تؤكد على مذهبه في وحدة الوجود:
ما في الوجود إلا الله، فالله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان.
إن قوانين الطبيعة(*) وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وإن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة.
الله هو القانون الذي تسير وفقه ظواهر الوجود جميعاً بغير استثناء أو شذوذ.
إن للطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة.
ليس هناك فرق بين العقل(*) كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة(*) فهما شيء واحد.
يقول الإمام ابن تيمية بعد أن ذكر كثيراً من أقوال أصحاب مذهب(*) وحدة الوجود "يقولون: إن الوجود واحد، كما يقول ابن عربي – صاحب الفتوحات – وابن سبعين وابن الفارض والتلمساني وأمثالهم – عليهم من الله ما يستحقونه – فإنهم لا يجعلون للخالق سبحانه وجوداً مبايناً لوجود المخلوق. وهو جامع كل شر في العالم، ومبدأ ضلالهم من حيث لم يثبتوا للخالق وجوداً مبايناً لوجود المخلوق وهم يأخذون من كلام الفلاسفة شيئاً، ومن القول الفاسد من كلام المتصوفة والمتكلمين شيئاً ومن كلام القرامطة والباطنية(*) شيئاً فيطوفون على أبواب المذاهب ويفوزون بأخسِّ المطالب، ويثنون على ما يذكر من كلام التصوف المخلوط بالفلسفة" (جامع الرسائل 1 – ص167).
الجذور الفكرية والعقائدية:
لقد قال بفكرة وحدة الوجود فلاسفة قدماء: مثل الفيلسوف اليوناني هيراقليطس فالله – سبحانه وتعالى – عنده نهار وليل وصيف وشتاء، ووفرة وقلة، جامد وسائل، فهو كالنار المعطرة تسمى باسم العطر الذي يفوح منها.
وقالت بذلك الهندوسية الهندية: إن الكون كله ليس إلا ظهوراً للوجود الحقيقي والروح الإنسانية جزء من الروح العليا وهي كالآلهة(*) سرمدية غير مخلوقة.
وفي القرن السابع الهجري قال ابن عربي بفكرة وحدة الوجود وقد سبق ذكر أقواله.
وفي القرن السابع عشر الميلادي ظهرت مقولة وحدة الوجود لدى الفيلسوف اليهودي سبينوزا، الذي سبق ذكره، ويرجح أنه اطلع على آراء ابن عربي الأندلسي في وحدة الوجود عن طريق الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون.
وقد أعجب سبينوزا بأفكار برونو الإيطالي الذي مات حرقاً على يد محاكم التفتيش، وخاصة تلك الأفكار التي تتعلق بوحدة الوجود. ولقد قال أقوالاً اختلف فيها المفكرون، فمنهم من عدُّوه من أصحاب وحدة الوجود، والبعض نفى عنه هذه الصفة.
وفي القرن التاسع عشر الميلادي نجد أن مقول وحدة الوجود قد عادت تتردد على ألسنة بعض الشعراء الغربيين مثل بيرس شلي 1792 – 1822م فالله سبحانه وتعالى في رأيه – تعالى عما يقول: "هو هذه البسمة الجميلة على شفتي طفل جميل باسم، وهو هذه النسائم العليلة التي تنعشنا ساعة الأصيل، وهو هذه الإشراقة المتألقة بالنجم الهادي، في ظلمات الليل، وهو هذه الورود اليانعة تتفتح وكأنه ابتسامات شفاه جميلة إنه الجمال أينما وجد..".
وهكذا فإن لمذهب وحدة الوجود أنصار في أمكنة وأزمنة مختلفة.
موقف الإسلام من المذهب:
الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود منزَّه عن الاتحاد(*) بمخلوقاته أو الحلول(*) فيها. والكون شيء غير خالقه، ومن ثم فإن هذا المذهب(*) يخالف الإسلام في إنكار وجود الله، والخروج على حدوده، ويخالفه في تأليه المخلوقات وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية، والتكاليف الشرعية، والانسياق وراء الشهوات البهيمية، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب.
ويرى بعض الدعاة أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد(*) في وجود الله وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة.
يتضح مما سبق:
أن هذا المذهب(*) الفلسفي هو مذهب لا ديني، جوهره نفي الذات الإلهية، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة(*)، على نحو ما ذهب إليه الهندوس أخذاً من فكرة يونانية قديمة، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة كابن عربي وغيره، وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق